فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ في الأرض} أي مكنا له أمره من التصرف فيها كيف شاء فحذف المفعول. {واتيناه مِن كُلّ شَىْء} أراده وتوجه إليه. {سَبَبًا} وصلة توصله إليه من العلم والقدرة والآلة.
{فَاتبعَ سَبَبًا} أي فأراد بلوغ المغرب فاتبع سببًا يوصله إليه، وقرأ الكوفيون وابن عامر بقطع الألف مخففة التاء.
{حتى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشمس وَجَدَهَا تَغْرُبُ في عَيْنٍ حَمِئَةٍ} ذات حمأ من حمئت البئر إذا صارت ذات حمأة. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر {حامية} أي حارة، ولا تنافي بينهما لجواز أن تكون العين جامعة للوصفين أو {حمية} على أن ياءها مقلوبة عن الهمزة لكسر ما قبلها. ولعله بلغ ساحل المحيط فرآها كذلك إذ لم يكن في مطمح بصره غير الماء ولذلك قال: {وَجَدَهَا تَغْرُبُ} ولم يقل كانت تغرب. وقيل إن ابن عباس سمع معاوية يقرأ: {حامية} فقال: {حمئة} فبعث معاوية إلى كعب الأحبار كيف تجد الشمس تغرب قال في ماء وطين كذلك نجده في التوراة {وَوَجَدَ عِندَهَا} عند تلك العين. {قَوْمًا} قيل كان لباسهم جلود الوحش وطعامهم ما لفظه البحر، وكانوا كفارًا فخيره الله بين أن يعذبهم أو يدعوهم إلى الإِيمان كما حكى بقوله. {قُلْنَا ياذا القرنين إِمَّا أَن تُعَذّبَ} أي بالقتل على كفرهم. {وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} بالإِرشاد وتعليم الشرائع. وقيل خيره الله بين القتل والأسر وسماه إحسانًا في مقابلة القتل ويؤيده الأول قوله: {قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إلى رَبّهِ فَيُعَذّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا} أي فاختار الدعوة وقال: أما من دعوته فظلم نفسه بالإِصرار على كفره أو استمر على ظلمه الذي هو الشرك فنعذبه أنا ومن معي في الدنيا بالقتل، ثم يعذبه الله في الآخرة عذابًا منكرًا لم يعهد مثله.
{وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالحا} وهو ما يقتضيه الإِيمان. {فَلَهُ} في الدارين. {جَزَاء الحسنى} فعلته الحسنى. وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وحفص {جزاء} منونًا منصوبًا على الحال أي فله المثوبة الحسنى مجزيًا بها، أو على المصدر لفعله المقدر حالًا أي يجزي بها جزاء أو التمييز، وقرئ منصوبًا غير منون على أن تنوينه حذف لالتقاء الساكنين ومنونًا مرفوعًا على أنه المبتدأ و{الحسنى} بدله، ويجوز أن يكون {أَمَّا} وما للتقسيم دون التخيير أي ليكن شأنك معهم إما التعذيب وإما الإِحسان، فالأول لمن أصر على الكفر والثاني لمن تاب عنه، ونداء الله إياه إن كان نبيًا فبوحي وإن كان غيره فبإلهام أو على لسان نبي. {وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا} بما نأمر به. {يُسْرًا} سهلًا ميسرًا غير شاق وتقديره ذا يسر، وقرئ بضمتين. {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا} ثم أتبع طريقًا يوصله إلى المشرق. {حتى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشمس} يعني الموضع الذي تطلع الشمس عليه أولًا من معمورة الأرض، وقرئ بفتح اللام على إضمار مضاف أي مكان مطلع الشمس فإنه مصدر. {وَجَدَهَا تَطْلُعُ على قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مّن دُونِهَا سِتْرًا} من اللباس أو البناء، فإن أرضهم لا تمسك الأبنية أو أنهم اتخذوا الأسراب بدل الأبنية. {كذلك} أي أمر ذي القرنين كما وصفناه في رفعة المكان وبسطة الملك، أو أمره فيهم كأمره في أهل المغرب من التخيير والاختيار. ويجوز أن يكون صفة مصدر محذوف لوجد أو {نَجْعَلِ} أو صفة قوم أي على قوم مثل ذلك القبيل الذي تغرب عليهم الشمس في الكفر والحكم. {وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ} من الجنود والآلات والعدد والأسباب. {خُبْرًا} علمًا تعلق بظواهره وخفاياه، والمراد أن كثرة ذلك بلغت مبلغًا لا يحيط به إلا علم اللطيف الخبير. {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا} يعني طريقًا ثالثًا معترضًا بين المشرق والمغرب آخذًا من الجنوب إلى الشمال. {حتى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} بين الجبلين المبني بينهما سده وهمًا جبلا أرمينية وأذربيجان. وقيل جبلان منيفان في أواخر الشمال في منقطع أرض الترك من ورائهما يأجوج ومأجوج. وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر ويعقوب {بَيْنَ السُّدَّيْنِ} بالضم وهما لغتان. وقيل المضموم لما خلقه الله تعالى والمفتوح لما عمله الناس لأنه في الأصل مصدر سمي به حدث يحدثه الناس. وقيل بالكسر وبين ها هنا مفعول به وهو من الظروف المتصرفة. {وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا} لغرابة لغتهم وقلة فطنتهم. وقرأ حمزة والكسائي {لا يفقهون} أي لا يفهمون السامع كلامهم ولا يبينونه لتلعثمهم فيه. {قَالُواْ يَا ذَا القرنين} أي قال مترجمهم وفي مصحف ابن مسعود قال: {الذين من دونهم}. {إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ} قبيلتان من ولد يافث بن نوح، وقيل يأجوج من الترك ومأجوج من الجبل. وهما اسمان أعجميان بدليل منع الصرف. وقيل عربيان من أج الظليم إذا أسرع وأصلهما الهمز كما قرأ عاصم ومنع صرفهما للتعريف والتأنيث. {مُفْسِدُونَ في الأرض} أي في أرضنا بالقتل والتخريب وإتلاف الزرع. قيل كانوا يخرجون أيام الربيع فلا يتركون أخضر إلا أكلوه ولا يابسًا إلا احتملوه، وقيل كانوا يأكلون الناس. {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا} نخرجه من أموالنا. وقرأ حمزة والكسائي {خراجًا} وكلاهما واحد كالنول والنوال. وقيل الخراج على الأرض والذمة والخرج المصدر. {على أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّا} يحجز دون خروجهم علينا وقد ضمه من ضم {السُّدَّيْنِ} غير حمزة والكسائي. {قَالَ مَا مَكَّنّى فِيهِ رَبّى خَيْرٌ} ما جعلني فيه مكينًا من المال والملك خير مما تبذلون لي من الخراج ولا حاجة بي إليه وقرأ ابن كثير {مكنني} على الأصل. {فَأَعِينُونِى بِقُوَّةٍ} أي بقوة فعلة أو بما أتقوى به من الآلات. {أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} حاجزًا حصينًا وهو أكبر من السد من قولهم ثوب مردم إذا كان رقاعًا فوق رقاع. {ءَاتُونِى زُبَرَ الحديد} قطعه والزبرة القطعة الكبيرة، وهو لا ينافي رد الخراج والاقتصار على المعونة لأن الإِيتاء بمعنى المناولة، ويدل عليه قراءة أبي بكر {رَدْمًا ائتونى} بكسر التنوين موصولة الهمزة على معنى جيئوني بزبر الحديد، والباء محذوفة حذفها في أمرتك الخير ولأن إعطاء الآلة من الإِعانة بالقوة دون الخراج على العمل. {حتى إِذَا ساوى بَيْنَ الصدفين} بين جانبي الجبلين بتنضيدها. وقرأ ابن كثير وابن عامر والبصريان بضمتين، وأبو بكر بضم الصاد وسكون الدال، وقرئ فتح الصاد وضم الدال وكلها لغات من الصدف وهو الميل لأن كلًا منهما منعزل عن الآخر ومنه التصادف للتقابل. {قَالَ انفخوا} أي قال للعملة انفخوا في الأكوار والحديد. {حتى إِذَا جَعَلَهُ} جعل المنفوخ فيه. {نَارًا} كالنار بالإِحماء. {قَالَ آتُونِى أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} أي آتوني قطرًا أي نحاسًا مذابًا أفرغ عليه قطرًا، فحذف الأول لدلالة الثاني عليه. وبه تمسك البصريون على أن إعمال الثاني من العاملين المتوجهين نحو معمول واحد أولى، إذ لو كان قطرًا مفعول أفرغ حذرًا من الإِلباس. وقرأ حمزة وأبو بكر قال: {ءاتُونِى} موصولة الألف. {فَمَا اسطاعوا} بحذف التاء حذرًا من تلاقي متقاربين. وقرأ حمزة بالإِدغام جامعًا بين الساكنين على غير حده. وقرئ بقلب السين صادًا. {أَن يَظْهَرُوهُ} أن يعلوه بالصعود لارتفاعه وانملاسه. {وَمَا استطاعوا لَهُ نَقْبًا} لثخنه وصلابته. وقيل حفر للأساس حتى بلغ الماء، وجعله من الصخر والنحاس المذاب والبنيان من زبر الحديد بينهما الحطب والفحم حتى ساوى أعلى الجبلين، ثم وضع المنافيخ حتى صارت كالنار فصب النحاس المذاب عليه فاختلط والتصق بعضه ببعض وصار جبلًا صلدًا. وقيل بناه من الصخور مرتبطًا بعضها ببعض بكلاليب من حديد ونحاس مذاب في تجاويفها. {قَالَ هذا} هذا السد أو الأقدار على تسويته. {رَحْمَةٌ مّن رَّبّى} على عباده. {فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبّى} وقت وعده بخروج يأجوج ومأجوج، أو بقيام الساعة بأن شارف يوم القيامة. {جَعَلَهُ دَكّا} مدكوكًا مبسوطًا مسوى بالأرض، مصدر بمعنى مفعول ومنه جمل أدك لمنبسط السنام. وقرأ الكوفيون دكاء بالمد أي أرضًا مستوية. {وَكَانَ وَعْدُ رَبّى حَقًّا} كائنًا لا محالة وهذا آخر حكاية قول ذي القرنين. {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ في بَعْضٍ} وجعلنا بعض يأجوج ومأجوج حين يخرجون مما وراء السد يموجون في بعض مزدحمين في البلاد، أو يموج بعض الخلق في بعض فيضطربون ويختلطون إنسهم وجنهم حيارى ويؤيده قوله: {وَنُفِخَ في الصور} لقيام الساعة. {فجمعناهم جَمْعًا} للحساب والجزاء. {وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ للكافرين عَرْضًا} وأبرزناها وأظهرناها لهم. {الذين كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ في غِطَاء عَن ذِكْرِى} عن آياتي التي ينظر إليها فأذكر بالتوحيد والتعظيم. {وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} استماعًا لذكري وكلامي لإِفراط صممهم عن الحق، فإن الأصم قد يستطيع السمع إذا صيح به وهؤلاء كأنهم أصمت مسامعهم بالكلية. {أَفَحَسِبَ الذين كَفَرُواْ} أفظنوا والاستفهام للإِنكار. {أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِى} اتخاذهم الملائكة والمسيح. {مِن دُونِى أَوْلِيَاء} معبودين نافعهم، أو لا أعذبهم به فحذف المفعول الثاني كما يحذف الخبر للقرينة، أوسد أن يتخذوا مسد مفعوليه وقرئ: {أَفَحَسِبَ الذين كَفَرُواْ} أي إفكًا فيهم في النجاة، وأن بما في حيزها مرتفع بأنه فاعل حسب، فإن النعت إذا اعتمد على الهمزة ساوى الفعل في العمل أو خبر له. {إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ للكافرين نُزُلًا} ما يقام للنزيل، وفيه تهكم وتنبيه على أن لهم وراءها من العذاب ما تستحقر دونه. {قُلْ هَلْ نُنَبّئُكُم بالأخسرين أعمالا} نصب على التمييز وجمع لأنه من أسماء الفاعلين أو لتنوع أعمالهم. {الذين ضَلَّ سَعْيُهُمْ في الحياة الدنيا} ضاع وبطل لكفرهم وعجبهم كالرهابنة فإنهم خسروا دنياهم وأخراهم، ومحله الرفع على الخبر المحذوف فإنه جواب السؤال أو الجر على البدل أو النصب على الذم. {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} بعجبهم واعتقادهم أنهم على الحق. {أُوْلَئِكَ الذين كَفَرُواْ بئايات رَبّهِمْ} بالقرآن أو بدلائله المنصوبة على التوحيد والنبوة. {وَلِقَائِهِ} بالبعث على ما هو عليه أو لقاء عذابه. {فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} بكفرهم فلا يثابون عليها. {فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القيامة وَزْنًا} فنزدري بهم ولا نجعل لهم مقدارًا واعتبارًا، أو لا نضع لهم ميزانًا يوزن به أعمالهم لانحباطها.
{ذلك} أي الأمر ذلك وقوله: {جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ} جملة مبينة له ويجوز أن يكون {ذلك} مبتدأ والجملة خبره والعائد محذوف أي جزاؤهم به، أو جزاؤهم بدله و{جَهَنَّمَ} خبره أو {جَزَآؤُهُمْ} خبره و{جَهَنَّمَ} عطف بيان للخبر. {بِمَا كَفَرُواْ واتخذوا ءاياتى وَرُسُلِى هُزُوًا} أي بسبب ذلك.
{إِنَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات كَانَتْ لَهُمْ جنات الفردوس نُزُلًا} فيما سبق من حكم الله ووعده، و{الفردوس} أعلى درجات الجنة، وأصله البستان الذي يجمع الكرم والنخل.
{خالدين فِيهَا} حال مقدرة. {لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} تحولًا إذ لا يجدون أطيب منها حتى تنازعهم إليه أنفسهم، ويجوز أن يراد به تأكيد الخلود.
{قُل لَّوْ كَانَ البحر مِدَادًا} ما يكتب به، وهو اسم ما يمد الشيء كالحبر للدواة والسليط للسراج. {لكلمات رَبّى} لكلمات علمه وحكمته. {لَنَفِدَ البحر} لنفد جنس البحر بأمره لأن كل جسم متناه. {قَبْلَ أَن تَنفَدَ كلمات رَبّى} فإنها غير متناهية لا تنفد كعلمه، وقرأ حمزة والكسائي بالياء. {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ} بمثل البحر الموجود. {مَدَدًا} زيادة ومعونة، لأن مجموع المتناهين متناه بل مجموع ما يدخل في الوجود من الأجسام لا يكون إلا متناهيًا للدلائل القاطعة على تناهي الأبعاد، والمتناهي ينفد قبل أن ينفد غير المتناهي لا محالة. وقرئ: {ينفد} بالياء و{مَدَدًا} بكسر الميم جمع مدة وهي ما يستمده الكاتب ومدادًا. وسبب نزولها أن اليهود قالوا في كتابكم {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا} وتقرؤون {وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا}.
{قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ} لا أدعي الإِحاطة على كلماته. {يوحى إِلَىَّ أَنَّمَا إلهكم إله وَاحِدٌ} وإنما تميزت عنكم بذلك. {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ} يؤمل حسن لقائه أو يخاف سوء لقائه. {فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالحا} يرتضيه الله. {وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا} بأن يرائيه أو يطلب منه أجرًا. روي أن جندب بن زهير قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأعمل العمل لله فإذا أطلع عليه سرني فقال: إن الله لا يقبل ما شورك فيه» فنزلت تصديقًا له وعنه عليه الصلاة والسلام: «اتقوا الشرك الأصغر» قالوا وما الشرك الأصغر قال: «الرياء» والآية جامعة لخلاصتي العلم والعمل وهما التوحيد والإِخلاص في الطاعة.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأها عند مضجعه كان له نورًا في مضجعه يتلألأ إلى مكة حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يقوم، فإن كان مضجعه بمكة كان له نورًا يتلألأ من مضجعه إلى البيت المعمور حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يستيقظ» وعنه عليه الصلاة والسلام: «من قرأ سورة الكهف من آخرها كانت له نورًا من قرنه إلى قدمه، ومن قرأها كلها كانت له نورًا من الأرض إلى السماء». اهـ.

.قال ابن جزي:

{أَمَّا السفينة فَكَانَتْ لمساكين}.
قيل: إنهم تجار، ولكنه قال فيهم: مساكين على وجه الإشفاق عليهم، لأنهم كانوا يُغصبون سفينتهم أو لكونهم في لجج البحر، وقيل: كانوا إخوة عشرة منهم خمسة عاملون بالسفينة، وخمسة ذوو عاهات لا قدرة لهم وقرئ: {مسّاكين} بتشديد السين، أي يمسكون السفينة {وَكَانَ وَرَاءَهُم} قيل: معناه قدامهم، وقرأ ابن عباس أمامهم، وقال ابن عطية: إن وراءهم على بابه؛ ولكن روعي به الزمان فالوراء هو المستقبل والأمام هو الماضي {كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} عموم معناه الخصوص في الجياد والصحاح من السفن، ولذلك قرأ نقل صحيح، وفي الكلام تقديم وتأخير، لأن قوله: {فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا} مؤخر في المعنى عن ذكر غصبها لأن خوف الغصب سبب في أنه عابها وإنما قُدم للعناية به.
{وَأَمَّا الغلام} روي أنه كان كافرًا، وروي أنه كان يفسد في الأرض، {فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا} المتكلم بذلك الخضر وقيل: إنه من كلام الله وتأويله على هذا فكرهنا، وقال ابن عطية: إنه من نحو ما وقع في القرن من عسى ولعل، وإنما هو في حق المخاطبين ومعنى: يرهقهما طغيانًا وكفرًا: يكلفهما ذلك، والمعنى أن يحملهما حبة على اتباعة أو يضر بهما لمخالطته مع مخالفته لهما {خَيْرًا مِّنْهُ} أي غلامًا آخرًا خيرًا من الغلام المذكور المقتول {زكاوة} أي طهارة وفضيلة في دينه {وَأَقْرَبَ رُحْمًا} أي رحمة وشفقة، فقيل: المعنى أن يرحمها، وقيل يرحمانه {لغلامين يَتِيمَيْنِ} اليتيم من فقد أبويه قبل البلوغ، وروي أن اسم الغلامين أصرم وصريم، واسم أبيهما كاشح وهذا يحتاج إلى صحة نقل {كَنزٌ لَّهُمَا} قيل مال عظيم، وقيل: كان علمًا في صحف مدفونة، والأول أظهر {وَكَانَ أَبُوهُمَا صالحا} قيل: إنه الأب السابع، وظاهر اللفظ أنه الأقرب {فَأَرَادَ رَبُّكَ} أسند الإرادة هنا إلى الله لأنها في أمر مغيب مستأنف لا يعلم ما يكون منه إلا الله، وأسند الخضر إلى نفسه في قوله فأردت أن أعيبها لأنها لفظة عيب، فتأدب بأن لا يسندها إلى الله وذلك كقول إبراهيم عليه السلام: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80] فأسند المرض إلى نفسه والشفاء إلى الله تأدبًا، واختلف في قوله: فأردنا أن يبدلهما هل هو مسند إلى الضمير الخضر أو إلى الله، {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} هذا دليل على نبوّة الخضر، لأن المعنى أنه فعل بأمر الله أو بوحي.